أبعد من العرض السردي لأدبيات فلسفة «الموت»، وهو الموضوع الذي شغل الفلاسفة ولايزال، تقدم هذه الدراسة سبرًا لأغوار «الموت» في السياق السوداني المعاصر في رمزيته، وخاصةً في ارتباطه بسياسة هذا البلد وبتاريخه السياسي إذ يتمظهر فيه الموت بصوره المتعددة، الحسية والرمزية، وبأسبابه المختلفة. تطرح الورقة سؤالها الجوهري على النحو الآتي: على الرغم من أن الموت هو بلا شك ظاهرة اجتماعية، فبماذا سنخرج إن تناولنا مظهره السياسي؟ وهي تقدم إجابات بالعودة إلى تأثير الموت السياسي (بموت الزعيم السياسي ذاته، أو بنهايته السياسية من دون موته البيولوجي) في مسارات الحوادث التي عاشها السودان، وأبرزها «الحرب» التي ما إن تضع أوزارها حتى تعود لتندلع من جديد، ولا يخمد جمرها حتى تستعر مرةً أخرى في دورة يحتل الموت فيها مواضع التمفصل. ويبلغ الموت حد التحكم في صناعة السلام؛ إذ من غريب الوقائع أن كثيرين من المفاوضين الحكوميين السودانيين يختطفهم الموت وهم في المرحلة الأخيرة من المفاوضات مع الحركات التي حملت السلاح ضد حكم السودان المركزي، وقبل التوصل إلى توقيع اتفاقيات سلام.ّ