يحاول هذا البحث أن يتعرف على الظاهرة الطائفية في مجريات الثورة السورية، لا بوصف الطائفية ملازمة لهذه الثورة بل بوصفها عرضًا من أعراضها، وتُفهم في ضوء العوامل الاجتماعية- الاقتصادية- السياسية لا في ضوء العوامل الدينية في حد ذاتها، وإن استخدمت بعض القوى الطائفية العامل الديني لتعطي الصراع بُعدًا طائفيًا في صيغة "نحن وهم". بُنيت الدراسة على ثلاث فرضيات بحثية استُخلصت من التاريخ السوري، وهي: دور العوامل الاقتصادية في توليد الحالة الطائفية؛ العلاقة بين السياسات الخارجية الاستعمارية وتسيس الهويات الفرعية ودور النخب المحلية في إسقاطها؛ تجليات أزمة الهوية مع عدم ترسخ مفهوم الدولة الوطنية في المشرق العربي. استعرضت الدراسة معظم الحالات الطائفية التي حدثت خلال مسار الثورة السورية وتجلت بنمطين، هما الوعي الطائفي البدائي والعنف الطائفي (جرائم الكراهية والانتقام الجماعي والهجرة والخطف). تُعزى حالة الاحتقان الطائفي الذي دفع إلى العنف الطائفي في حمص خاصة، وبعض المناطق السورية، من جانب الثورة السورية، إلى الانقلاب على نمط الحياة التقليدية للمجتمعات المدينية مع الهجرة من الريف إلى المدينة، وانتشار العشوائيات على أطراف المدن باتّباع الحكومات السورية سياسات اقتصادية ليبرالية من دون أن يكون هناك نمط جديد ذو مضمون حضاري وثقافي يحفظ كرامة المواطنين وحقوقهم، وذلك في ظل غياب شروط العدالة الاجتماعية والتنمية السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو ما أدى إلى تغير في النسقين الثقافي والاجتماعي في المجتمع السوري. إن التفاوت في مستوى المعيشة هو بين أهم العوامل التي تؤدي إلى استمرار قوة الجماعات الوسيطة والولاءات التقليدية من عرقية وطائفية وقبلية. ولذلك، فإن التعامل مع القضية الطائفية يقتضي بالضرورة معالجتها على أسس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والأمن الوطني السوري.