حينما خططت دورية عمران للعلوم الاجتماعية لنشر عدد خاص حول الاستعمار الاستيطاني، وتحديدًا في فلسطين، كانت تهدف إلى تحقيق هدفين رئيسين؛ يتمثل الأول في وضع الحالة الفلسطينية تحت مجهر النظرية النقدية للاستعمار الاستيطاني، من أجل تفكيك السردية الصهيونية في فلسطين وممارساتها التي تتقاطع في بعض عناصرها مع أشهر الحالات الاستعمارية الاستيطانية في التاريخ الحديث (الحالة الأميركية، وحالة جنوب أفريقيا، والحالة الأسترالية ... إلخ)، في حين يتمثل الهدف الثاني في جَسر الهوة بين الاستخلاصات المعرفية التي توصلت إليها النظرية النقدية للاستعمار الاستيطاني من جهة، وتمثلات الحركة الوطنية الفلسطينية للصهيونية وأسسها وممارساتها من أجل توضيح المسار النضالي التحرري ضدها، من جهة أخرى. إلا أن زخم تفاعل الباحثين مع الموضوع كان أوسع كثيرًا مما خُطط له، فأضافوا إلى الموضوع بُعدًا إمبريقيًا وأدبيًا مُركّزًا على الحالة الفلسطينية، وهو ما ساهم في تقريب مجهر المشاهدة أكثر فأكثر إلى التجارب الحياتية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة الاستعمار الاستيطاني في كل أبعاده، والذين يواجهون في كل لحظة آلياته المادية والذهنية المُسخَّرة للهيمنة وطمس حقيقته اللاشرعية، من دون إهمال البعد النظري النقدي لدراسة الحالة؛ ما سمح بتخصيص دورية عمران لعدد ثانٍ للموضوع في هذا الشأن.