يتّسم التحوّل الديموغرافي في الجمهورية العربية السورية بتأخر حدوثه زمانياً (إذ لم تظهر ملامحه الأولى حتى سبعينيات القرن العشرين)، ويتّسم أيضًا بشدة حدوث هذا التحوّل عند تحققه فعليًا (بعد منتصف الثمانينيات)، ثم «تعثره» سريعاً منذ التسعينيات، بتباطؤ مساره أولًا ثم بتوقفه أخيرًا. بعد توصيف عام لهذا التحوّل اعتمادًا على معدلات الزيادة الطبيعية للسكان ومعدلات الخصوبة الكلية، تقترح الدراسة تحلي للآليات التي وجّهت مساره، وذلك في محورين: المحور الأول سياساتي، يرتبط بطبيعة الفهم الرسمي للمسألة السكانية (خصوصًا خلال العقود الثلاثة الأولى لما بعد الاستقلال)، وبالحيثيات التاريخية التي حكمت هذا الفهم، وارتباط كل ذلك ب "الهوية" الوطنية السورية، ومحاولة تمكين وجود البلاد وحمايتها وتنميتها عبر السؤال الديموغرافي بالذات. والمحور الثاني تنموي، يعرِض لتفاعلات المنظور السكاني الرسمي، وواقع النمو السكاني السريع الذي استمر عقودًا طويلة، مع سيرورة العملية التنموية إيجاباً (كما كان الأمر في السبعينيات)، أو سلباً (مثلما حدث لاحقًا). إن فهم اللحظة الراهنة لتوقُّف – أو تعثُّر – التحوّل الديموغرافي السوري يرتبط مباشرة بفهم تجاذبات هذين المحورين خلال العقود الستة الماضية، وهي تجاذبات رسمت ماضي الديموغرافيا السورية وحاضرها، وستكون من دون شك ذات تأثير في مستقبلها.