تبحث هذه الدراسة في إشكالية تتعلّق بمفارقة قائمة على تمازج القيمة (ambivalence) في العلاقة بالعدالة، باعتبارها منشودة ومدانة ولا غنى عنها، ولكنّها في الوقت نفسه عرضة للمناورة والمقايضة، وحتى النفي من وجهة نظر السجناء. جرى هذا البحث أول مرة من داخل السجون التونسية، من خلال مقابلات معمّقة جرت في سجنين: واحد للرجال (المرناقية) والثاني للنساء (منّوبة)، وفي فترة امتدت من بداية حزيران/ يونيو 2012 إلى بداية أيلول/ سبتمبر من السنة نفسها. راعت الدراسة متغيرات عدّة ضمن مقاربة أنثروبولوجية وسوسيولوجية للعدالة، وهي مقاربة قادرة على تنسيب مفهوم العدالة وكشف ما فيه من تراتب لما تربطه بأوضاعه وسياقاته وموازين القوى التي تحكمه، في وضع يتساوى الناس فيه أمام القانون وهم متفاوتون في الواقع الاجتماعي، ينضاف إليها خصوصيات ثقافية واجتماعية معدّلة له. وتخلص الدراسة إلى أن العدالة مرجوّة ومدانة. هكذا هم السجناء في تمثّلهم لها، ينشدونها قيمةً ويدينونها مؤسّسةً، وهم إذ يفعلون ذلك إنّما يُحاجّون نظامًا اجتماعيًا في وعيهم العميق؛ نظامًا لطالما عاشوا على تخومه. المشكلة ليست مع العدالة في العمق، هي بل في وضع اجتماعي أقصاهم، فتشابكوا مع عدالة لم تفهمهم، بمعنى أنها لم تأخذ في حكمها بظروفهم. إن تعديل العدالة بالإنصاف هو عينه ما يطلبه السّجين؛ فبين الاثنين، العدالة والسجين، تبادل اتهام: العدالة قاهرة في الأصل والسجين مجرم بطبيعته. والجريمة متقاسمة عند السجين، مشتركة بين أطراف عدّة: ظروف هيأتْ وقاض حَكمَ وصدفة كانت مواتية ومهمّش نفّذ. هكذا ينزع السّجين عنه ما علق به من صفة إجرامية ليرى نفسه ضحية العدالة والمجتمع.