اعتمدت الورقة على نصوص المعاهدات التي تسمّى «معاهدات الصلح والتجارة»، المنشور منها والمخطوط، وهي من الوثائق التي لا تزال في حاجة إلى الدرس. ولئن اهتم بها الباحثون الأوروبيون، فقد تغافل عنها الباحثون العرب إ القليل النادر منهم. وقد تناول الباحثون الذين اهتموا بهذه المعاهدات بالجوانب الاقتصادية الأساسية من حيث البضائع والضرائب والنقل وغيره. ولكن هناك جانبًا لم يجرِ التطرق إليه، وهو موضوع المراقبة والتحكم المفروضين على التجار الأجانب في العالم الإسلامي أو في العالم المسيحي؛ فقد بقيت هذه المسألة غائبة عن البحث، وهو ما يبرر الاهتمام بالموضوع. تتناول هذه الورقة موضوع المعاهدات المبرمة بين الدول الأوروبية والمغرب الإسلامي في العصر الوسيط، ودورها في تحديد مجال الدول ومجالات التحرك بالنسبة إلى التجار الأوروبيين في الموانئ الإسلامية ومراقبتهم. لقد اضطلعت هذه المعاهدات بجملة من الوظائف الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية التي تميّز العلاقات بين الدول المتعاقدة، وجرى توضيح الأدوار المختلفة التي تنظمها المعاهدات بين دول الحوض الغربي للمتوسط. كما تناولت الورقة تحديد مجالات النشاط بالنسبة إلى تجار الدول المتعاقدة؛ إذ حُدِّدت الموانئ المهيأة للإرساء بصورة مسبقة. ولم يتعلّق الأمر بتجهيزات تلك الموانئ فحسب، وإنما تعلّق أيضًا بالتجهيزات الفندقية والجمركية وغيرها، وهو ما يسمح للدول المضيفة بالتحكم في تحركات التجار ومراقبتهم. وهذا أمر تفرضه المعاهدات نفسها التي تنص على ضرورة توفير الأمن لهؤلاء التجار في أموالهم وأبدانهم، فكيف يمكن توفير الحماية لمن لم يكن معلومًا مكان رسوّه. كما تسلط هذه الورقة الضوء على إمكانات استغلال الوثائق من زوايا مختلفة، فهي وإن بدت معاهدات علائقية فإنها نصوص قابلة للمساءلات المتعددة وللمقاربات المختلفة، ولعل هذه الورقة إحداها.