ينطوي تحليل الاقتصاد السياسي على أدوات فاعلة في مَفْهَمَة الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أكان ما تعلّق بحالته التنموية أم بالتكتيكات والاستراتيجيات التي تستخدمها الحركة الوطنية وفاعلوها. وعلى الرغم من أن البحوث الجديدة راحت تطبّق هذا التحليل، فإن اتجاه البحوث الفلسطينية العام يتحاشى تناول مثل هذه الأمور إمّا عن جهل وإمّا بسبب حساسية سياسية معيّنة أو لاعتبارات أخرى. وما يتناوله هذا المقال هو ثلاثة جوانب مترابطة للاقتصاد السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في محاولة لتحديد بعض الفجوات التحليلية وسدّها، في الوقت الذي نعيد تملّك أدوات هذا الاقتصاد السياسي خدمةً للباحثين وممارسي السياسة الفلسطينية على حدّ سواء. وينظر هذا المقال أولًا في التحديد البنيوي للاقتصاد السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بوصفه وظيفةً لتقسيمٍ للعمل غير مرئي لكنه توافقي بين الجهات المانحة الدولية وإسرائيل بشأن المعايير الأساسية التي تكتنف التنمية الفلسطينية. وهذا ما يلتقطه مفهوم "نظام عملية السلام" الذي يعمل كأداة خطابية وسياسية واقتصادية تفرض نزع تنمية الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتهندس الرضا السياسي عن هذا الترتيب. ثم ينظر هذا المقال في بعض أسس النمذجة الفكرية التي تلهم ًاجزئيًا هذه السياسات، وتربطها بالتحولات في أجندة التنمية النيوليبرالية المعيارية وتحوّلها من إجماع واشنطن إلى إجماع ما بعد واشنطن. وأخيرًا، فإن هذا المقال يرسم الخطوط العامة لتطبيق هذه النمذجة في أنماط المساعدة الدولية المقدَّمة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع التركيز على الطريقتين الرئيستين اللتين طُبقت بهما هذه الأفكار: النموذج الذي قاده عرفات والنموذج البيروقراطي-المؤسساتي الذي يعتمد على إنتاج اختيار نخبوي يعود إلى الطبقات الاجتماعية أكثر من اعتماده على القرار الفردي.