سنحاول من خلال هذه الدراسة، واعتمادًا على اختصاص المعرفية الاجتماعية، الإجابة عن سؤال مركزي وهو: "لماذا نحن شديدو الاهتمام بما يفكر فيه الآخر؟"، وسنكشف عن جملة من الحاجات والرغبات المتضاربة أحيانًا، والتي تحرك فضولنا لاستكشاف حالات الآخرين الذهنية والعاطفية، بدءًا من حاجتنا إلى التفاهم مع الآخر، ورغبتنا في استكشاف ذواتنا واستشراف مستقبلنا من خلال التعرف إلى الآخر وأخذ العبرة من تجاربه، إلى نزوعنا إلى التحكم فيه بشكل مكيافلِّيٍّ وتسخيره لأغراضنا الشخصية. وتظل عملية الاستكشاف هذه، في مجملها، عبارة عن قراءات تأويلية وتخمينية لما يدور في ذهن الآخرين من أفكار وعواطف، تختلف نتائجها باختلاف الآليات والاستراتيجيات المعتمدة فيها. فإذا اعتمدنا على الاستراتيجيا الازدرائية والأحكام الجاهزة والشائعات، من حيث هي نشاط غير مكلف من ناحية الطاقة الذهنية، فسننتهي إلى تصورات نمطية وتوصيفات قدحية وأحيانًا صيغ عنصرية. وإذا لجأنا إلى الاستراتيجيا التنظيرية الحدسية، فإننا سنضع مسافة اختبارية بيننا وبين الآخر، وستنظر إليه بوصفه موضوعًا تجريبيًا ليس إلا. أمّا إذا استدعينا الاستراتيجيا القياسية التي تتميز بكونها مكلفة من حيث المجهود الذهني، فإن هذا سيؤشر في حضور البُعد الإنساني في تعامل الأنا مع الآخر؛ إذ إننا سنضع بذلك أنفسنا مكانه وسنحاول التعامل مع ظروفه ومعاناته باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من ظروفنا ومعاناتنا. وبهذا سننتقل من مستوى فهم الآخر إلى مستوى التفاهم معه.