رغماً عن أن السياسة الصناعية فى الوطن العربى لم تنل حظاً يُذكر من النجاح، إلا أن هناك ما يشبه الإجماع في المجتمع التنموي بضرورتها في عالم ما بعد الركود العالمي العظيم والذى أوضح بجلاء فشل السوق حتى في حالة الدول الصناعية الكبرى. بالمقابل، لابد أن تُبنى السياسة الصناعية الجديدة على أسس وآليات جديدة ومبتكرة، تستند الى فضاء الانتاج السائد في الاقتصاد، لتحديد نوعية وحجم التدخلات الحكومية، والى آليات مؤسسية تحقق "الاستقلالية المندمجة" للقطاع العام في إطار علاقته مع القطاع الخاص. في هذا السياق تطرح الورقة استراتيجية للسياسة الصناعية العربية لمعالجة تحديين أساسيين. الأول هو كيف يمكن للحكومة أن تعلم المدخلات الأساسية العمومية المطلوبة للشركات لكي تتمكن من إنتاج منتجات جديدة ومتطورة تساهم في تنويع قاعدة الاقتصادات العربية. والثاني، ما هي المبادئ العامة التي يجب أن تقود عملية تزويد هذه المدخلات، خاصة لجهة تفادى اعتبارات الاقتصاد السياسي المرتبطة بمحاولات "التماس الريع". الاجابة على السؤال الأول تتطلب تحديد عناصر السياسة الصناعية من ناحية المحتوى، بينما السؤال الثاني يستوجب تحديد الآليات المؤسسية التي تحكم إدارة هذه السياسة.