الالتزام أو "القيام بأي عمل": من الأفكار التي قضّت مضجع شريحة واسعة من الشباب اللبناني في العام 1975. شبابٌ جرفتهم دوّامة حرب أهليّة كانت طلائعها قد بدأت بالظهور، فاندفع السوادُ الأعظم منهم للانضواء تحت راية الأحزاب السياسية، حيث اختاروا اعتناق قضية من القضايا الكثيرة السائدة في البلاد في تلك الفترة. حملُ السلاح والمشاركة في القتال والدفاع عن الأرض وبذل الأرواح عن أبناء الوطن، أضحت كلّها هدفًا حرّك الشباب واستحال هاجسًا سيطر على عقولهم. إزاء هذا الواقع، وإذ رأت مجموعة من الشباب ناهز عددها الخمسين ( وهي موضوع بحثنا) محيطها القريب ينزلق في دوّامة العنف، انخرطت ضمن فرق الإسعاف التابعة للصليب الاحمر اللبناني في فرع أنطلياس- النقاش، منحازة إلى المدنيّين أكثر من انحيازها إلى المقاتلين. فكان التزام الشباب هؤلاء متناقضًا مع التزام محيطهم. فالأعمال الانسانية الّتي ينفّذونها خاضعة لمبادئ الصليب الأحمر السبعة كما لاتفاقيات جنيف الموقّعة في العام 1949. صحيح أنّ تحرّك الشباب جاء نتيجة أسباب مختلفة ترتبط بأقدميّة سكنهم في أو بالطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها أو بمستواهم العلمي وبخياراتهم الدينية أو السياسية، فقد وجدوا أنفسهم في موقع وسطي غير مشجّع. فشعارات الصليب الأحمر التي رفعوها وما تمثّله من مبادئ إنسانية أضحت شعارات بالية في خضمّ الحرب الأهلية، شعارات تُخرجهم من وضع الجندي المجهول في محطّات الأزمة الأخطر ولا تعود عليهم سوى بمزيد من الغضب العارم.