ساهمت المعرفة بطبيعة المجتمع والدولة المغربيين في تسهيل احتلال المغرب وتوقيع معاهدة الحماية الفرنسية عليه يوم 30 آذار/مارس 1912. لكن ذلك لم يكن سهل المنال، بل بدأ "الغزو السلمي" و"التغلغل المعرفي" للبنى المغربية بعد احتلال الجزائر سنة 1830 وما ترتب عن ذلك من تداعيات تمثلت في هزيمة القوات المغربية أمام نظيرتها الفرنسية في معركة إيسلي سنة 1844، وانفتاح الباب منذئذ على مصراعيه أمام البعثات العلمية الاستكشافية الفرنسية لتحقيق هدف "احتلال المغرب بأقل التكاليف الممكنة". لذلك اقتحمت الأدبيات الفرنسية البلد بغرض فهم ذهنية المجال وتركيبته الإثنية والدينية. واتخذت هذه الأعمال بُعدًا مؤسساتيًا منذ ساعة 1904 عندما أُسست البعثة العلمية للمغرب، لتتضح أكثر العلاقة بين المعرفة والأجندة الاستعمارية، حيث ظهرت كتابات جمعت بين الغرائبية والبحث الممنهج، وركزت على تبيان أن المغرب يسبح في فوضى مزمنة، وبذلك تحولت البعثة العلمية إلى مختبر من أجل دراسة البنى المغربية وتفكيكها، كما شكلت مركزًا لتكوين رجالات الحماية كمراقبين مدنيين.