تنطلق هذه الورقة من فرضية أساسية مفادها "أن عمليات المراقبة والضبط في دولة الاستعمار وما بعده ترتبط بصور من التضخم في أجهزة الدولة وخطابها الأيديولوجي وتركيب نخبها السياسية في نمط براني من الحداثة يتشكل في أطراف العالم الرأسمالي". وفي إطار هذه الفرضية تمت الاستعانة بالبيانات التاريخية ونتائج البحوث السابقة في محاولة الكشف عن الطريقة التي تمأسست بها عمليات المراقبة في الدولة المصرية الحديثة (حقبة الاستعمار وما بعده). لقد تحولت عمليات المراقبة المباشرة إلى مؤسسات تتعدد وتتنوع في وظائفها كلما تعقد بناء الدولة وتزايدت حدة المعارضة للنظم السياسية؛ كما تحولت أيضا إلى مزيد من الاعتماد على القوة الرمزية للدولة وأجهزتها الرقابية، وإلى تحويل العنف إلي الدوائر الاجتماعية الأوسع ليصبح العنف أداة غير مباشرة لإخضاع الأفراد وضبطهم. ولقد كشفت الورقة عن دلالات آليات المراقبة والضبط فيما يتعلق بتكوين جماعات الصفوة السياسية (النخب السياسية) ونمط الخطاب الذي تستخدمه وطبيعة التناقض في الأدوار التي تقوم بها؛ كما كشفت ـ بشكل ضمني ـ عن دلالاتها فيما يتصل بعملية بناء الدولة الوطنية في زمن الاستعمار وما بعده، والطابع الهش لهذا البناء، والذي كشف عن تضخم لا يستند إلى اقتصاد قوي أو عمليات تنمية حقيقية.