تعاني أغلبية الدول الاستعمارية تناقضًا في صميم بنيتها؛ فقد عرّفت مؤسسات الدولة الاستعمارية نفسَها بأنها تتعارض وشبكات ممارسة السكان المحليين السلطة في فترة ما قبل الاستعمار، أكانت تلك الشبكات قائمة على العِرق أو القرابة القبلية أو الانتماء الديني. من ناحية أخرى، قليلة كانت الدول الاستعمارية التي نَعمتْ بجهاز إداري كافٍ أهّلها للعمل بشكل منفصل عن مجتمع السكان الأصليين. يشير هذا البحث إلى أن رؤية أكثر شمولية لمعايير جمع الدولة المعلومات الاستخبارية ولغايتها من ذلك، قد تساعد في فهمنا الكيفية التي أمّنت بها هذه الدول الاستعمارية استمراريتها. وكانت هذه الأنشطة الاستخبارية متعدّدة الأوجه؛ فهي استُحدثتْ بهدف تأمين معلومات كافية عن التنظيم الاجتماعي المحلي، بغية تمكين الحكومة من القيام بوظائفها؛ كما يعمل جامعو المعلومات الاستخبارية في الوقت نفسه على تعميم تلك البيانات. فوكالات الاستخبارات لدى الدولة الاستعمارية التي كانت تجمع المعلومات عن السكان الأصليين، كانت تسعى أيضًا للتحكّم في حركة المعرفة أو المعلومة ضمن المجتمع المحلي، بغية قولبة الرأي العام، أو على الأقل تشكيل آراء النخبة النافذة. عندئذ فقط، تستطيع السلطات المحلية التأثير في منتديات الآراء المتنوّعة لما فيه مصلحة أوروبا. وبهذا المعنى، تبرهن هذه الورقة على أن الدول الاستعمارية كانت "دولاً استخبارية".