تتناول هذه الورقة بالبحث أهم العوامل المؤثرة في الاندماج السياسي والاجتماعي لأقباط مصر بعد الثورة، وذلك بمحاولة تحليل أهم المستجدات التي أثّرت في "الملف القبطي" بعد الثورة المصرية. ولعل خصوصية الوضع المجتمعي المصري بعد ثورة كانون الثاني/ يناير قدّمت معطيات جديدة بشأن الاندماج بوجه عام، وبخاصة الاندماج السياسي والاجتماعي للمصريين الأقباط؛ فمعطيات على شاكلة صعود تيارات الإسلام السياسي ، وتواتر الحوادث الطائفية ، وتبدّل شكل العلاقة بين الدولة والمؤسسات الدينية بوجه عام ، والكنيسة بوجه خاص ، ثم برلمان ذي أغلبية إسلامية، يليه انتخابات رئاسية أفرزت صعودًا إسلاميًا إلى سدة الحكم ، تزامنًا مع رحيل رأس الكنيسة ومرورها بمرحلة "انتقالية" موازية للمرحلة الانتقالية التي مرت بها الدولة. هذه المعطيات تؤثر كلها في اندماج الأقباط سياسيًا واجتماعيًا في مرحلة حرجة تتشكل فيها طبيعة العلاقة بين المجتمع والدولة في مصر على أرضية جديدة. هذه المستجدات المتواترة لا يمكن التعامل معها إلّا في إطار دولة ديمقراطية مستقرة تتأسس على مبدأ الثقة في مؤسسات العدالة، واحترام الصالح العام لجموع المواطنين، بعيدًا عن حالة الاغتراب التي يعانيها كثيرون، بينما كلما تراجعت دولة القانون، ازداد الولاء للانتماءات الأضيق، وتبلور الاستقطاب، وتلاشى الطابع التعددي لصالح الأحادية، وبرزت العزلة. فهل تم التعامل مع تلك المستجدات بما يحقق اندماج الأقباط، أم أن تلك المستجدات تشابكت مع الموروثات المتراكمة لتنسج معوقات إضافية لاندماج الأقباط سياسيًا واجتماعيًا؟ هذا ما تحاول الدراسة الإجابة عنه، مستندة إلى ثلاثية العلاقة بين النظام والكنيسة والاقباط، وتجاه العلاقات الاجتماعية مع المسلمين. وأهم ما توصلت إليه هو أنه جرى كسر حاجز الخوف والخروج من شرنقة العلاقة الثلاثية التي فُرضت في ظروف سلطوية، من دون أن يؤدي هذا التبدل إلى الحد من المعوقات القائمة أمام اندماج الأقباط سياسيًا واجتماعيًا.